الفن الإسلامي هو فن حضارة کاملة ، ظهر نتيجة تلاحم بين مجموعة من التقاليد لبلدان مختلفة من عربية وترکية وفارسية، والظروف التاريخية کالفتوحات الإسلامية هي التي أسهمت في نشره من شرقه وغربه. فالفن الإسلامي يدمج في طياته العديد من مختلف التقاليد لبلدان العالم الإسلامي، حتى أصبحت تعرف بفن واحد انتشر مع مرور الزمن في کل أنحاء العالم الإسلامي، والذي يميزه هو خاصيته الواحدة التي لا تخضع لا لزمن أو لعرق معين. الفن الإسلامي هو شکل من أشکال الفکر والثقافة الإسلامية التي تستند إلى أصول عقائدية ودينية ثابتة، والتي ترجع إلى مبدأ واحد هو توحيد الله سبحانه وتعالى، وکل شکل ثقافي يخالف أو يعارض هذا المبدأ يخرج عن دائرة الإسلام، فالمضمون الإسلامي متوفر في الفن الإسلامي، فلا يمکن أن يطرح عمل فني إلّا بمضامين إسلامية سواء کان في العمارة أو الخط، أو المنمنمات أو الرواية، أو الشعر، وغايته نشر الفضائل والأخلاق والسلوکيات الإسلامية، وبالتالي يبقى المعيار الأساسي لقياس وإدراک مدى إسلامية الشکل الفني هو توافقه مع قيم الإسلام. إن أهم سمات الفن الإسلامي هي الفلسفة التي يقوم عليها ، المتمثلة في المبدأ الأول والأساسي وهو الاعتقاد، فتکوين المصمم المسلم قائم على إيمانه بالله وبقوته وعظمته ورحمته، فالله عنده هو مرکز الکون، وکل شيء يبدأ منه ليعود إليه؛ فالإنسان المسلم يؤمن بأن الحياة بسيطة وليست فارغة من الجمال. فالفن ظاهرة ثقافية مبدعة وحيوية خلّاقة، بحيث أصبح مطلباً إنسانيًّا، وعليه اهتم المسلمون أيضاً به باعتباره تأملاً شعوريًّا وجدانيًّا روحيًّا، حاول الإنسان المسلم تجسيمه في الواقع، فأنتج آثاراً يشهد بها تاريخ الإنسانية إلى اليوم. والفن الإسلامي هو فن متجانس، يحيط ببلاد واسعة رغم اختلافها في مزاياها، وهذا التجانس ناتج عن توافق لعدة عوامل واتحادها في هذه البلاد وهي: وحدة الدين بمعنى الدين واحد هو الدين الإسلامي ، وأيضاً أسلوب الحکم فيها واحد، إضافة -وهذا الأهم- وهو رجل واحد يقف على سدة الحکم، إضافة إلى الحياة متشابه إلى حدٍّ ما. وبالنظر إلى التفاعل مع الجمال في الإسلام، نجد أنه حرکة معرفية يرقى بها الإنسان في أي زمان ومکان إلى الکشف عن أسرار الخلق والاستزادة من العلوم والمعارف لينتهي إلى معرفة الخالق جل شأنه، إدراک عظمته سبحانه وتعالى، والوعي الجمالي الإسلامي هو وعي للتفکر والتأمل، يقودنا إلى الجانب الثاني من الجمال وهو الجانب الإيماني ، وهکذا تغدوا الحاجة الجمالية عند المسلم حاجة إيمانية أساسية مرتبطة بحياة المسلم الروحية والعملية . شأن حضارات عديدة، برعت الحضارة الإسلامية، وأبدعت منذ صدر الإسلام وإلى ونهاية الفتوحات،وعصر تکوين الحضارة الإسلامية في العهدين الأموي والعباسي، برعت وأبدعت هذه الحضارة في ميادين الفن المعماري والفنون الجميلة والتطبيقية، وقد برهن هذا الإبداع على حيوية الدين الإسلامي بنظمه وشرائعه ،کما برهن ودلل أيضاً على قدرة الإنسان المسلم على استخدام الطبيعة والتأمل فيها لتعميق معرفته وثقافته، وإنجاز أعمال ذات طابع جمالي رفيع رائع، أثاره التنوع الواسع للمکونات البشرية للعالم الإسلامي التي تلقفها الإسلام وتبناها ورعاها في مسعاه النبيل لتصبح الحضارة الإسلامية، عبر مختلف عهودها مثالا لازدهار المجتمعات، ومحصلة رفيعة للذوق والحس الفنيين لما سبقها من حضارات وثقافات، کل هذا رغماً عن الحروب والصدامات التي صاحبت تکوين رؤساء قواعد هذه الحضارة العظيمة ؛ لأن الهاجس الدائم کان الإبداع والتجديد المستمر في تلک الفنون؛ وذلک لتجميل الواقع الحياتي للإنسان المسلم. وکان التطور الذي أحدثه الإسلام في حياة الناس وأفکا رهم تطوراً جذريا ، والمعجزة القرآنية الرائعة وضعت البشرية أمام وعي جمالي جديد يجد تجلياته في الفکر واللغة والسلوک والفن، ومع احتکاک الدين الإسلامي بثقافات أخرى ظهرت تنويعات في هذا الوعي الجمالي، لکنه لم يتخل عن أطروحاته الجمالية المتمثلة في التوحيد، والوحدة، وهي غاية الفکر الإسلامي . ونحن في هذا العصر، عصر العولمة، الذي تتقدم فيه العلوم والمعارف بسرعة مذهلة وتتعمق فيه الثقافات، والبحث عن الهوية والأصول، نحاول في هذا الإصدار، وفي جهد متواضع، أن نسير خطوة في سبيل استنباط واستقراء بعضاُ من الجماليات الإسلامية في مجالاًت تختص بالإبداع والفکر الإسلامي الإنساني ،وکشف هذه الجماليات وتسليط مزيد من الضوء عليها، وطرحها بصورتها التي قامت عليها مما يساعد بلا شک في الدخول إلى عوالم الجمال الإسلامي، الأمر الذي يعمق ويزيد من إدراکنا بجوهر الإسلام وفهم أسسه الفکرية الإبداعية التي حملتها حضارة رائعة امتدت أربعة عشر قرنا من الزمان، وما زالت تعطي.
إننا نحاول بهذا الجهد المتواضع، الرجوع إلى تراثنا وجذورنا لعلنا نجد ما نبحث عنه اليوم في تأکيد الهوية والأصول، خاصة وطاقاتنا الشابة، رصيد مستقبلنا، تعاني من هذا الإشکال . وتراثنا، والحمد والشکر لله، ملئ بالصور والأشکال والرموز، والفنانون المسلمون أنتجوا لنا، وعلى مدى طويل، تجربة رائدة، مثلت تراکما اً فنيا تشکيلي اًستوجب على الدوام، الاعتناء به ومحاورته ودمجه داخل سياق ممارستنا الثقافية، فأمامنا تحديات ومهام أساسية تتعلق بمواکبة التطورات التي تحدث من حولنا، وإظهار مدى قدرتنا على إدراک واستيعاب تعبيرات الحداثة الجمالية . والمتأمل والدارس للفن الإسلامي يجد أن المصمم الإسلامي وضع لنفسه إطارا محددا ومنظما لفنه بصفة عامة لا يحيد عنه، برغم ذلک فقد استطاع الفنان أن ينمو بفنه نموا کبيرا راقيا کان له تأثير علي الکثير من الفنون المعاصرة ، وتتمثل معالم الإطار الفکري لهذا الفن في عدة جوانب أهمها : هو ضرورة عدم وجود شبهة للتحريم أو الکراهية في نوعية المفردات التشکيلية المستخدمة؛ لذلک لم يکن الفن التشخيصي ذو الأهمية کبيرة لديه کما هو الحال في الغرب " فاستبعدوه من الشعائر الدينية فخرج من محور الحضارة الإسلامية ولم يسمح به إلا في مجالات محددة للغاية مشروطة بعدم المساس بالشخصيات المقدسة أو محاولة تقاليد صنعه الخالق ، فإذا أقدم الرسامون والملونون علي تصوير الطبيعة کان عليهم تحريفها" . أما الجانب الثاني فيتمثل في أن الفن بالنسبة للفنان الإسلامي ليس هدفا في حد ذاته بل "هو رسالة إيمان وتوحيد بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها"، لذا فقد التزم الفنانون بقواعد ثابتة لا تتغير إلا في حدود المظهر وليس الجوهر، أما الجانب الثالث فيتمثل في الدقة والإتقان فيما يمارسه من أعمال فنية سواء في مرحلة التصميم أو التلوين إيمانا وتطبيقاً لتعاليم الدين الإسلامي ، "تلک التعاليم التي تحث علي إتقان العمل هو نوع من التقرب إلي الله المحبوب لذاته " أما الجانب الرابع فيتمثل في صعوبة الفصل بين الشکل والمضمون في الفنون الإسلامية ، على وجه العموم ، والزخارف علي وجه الخصوص ، فديمومة حرکته التکرارية التي لامبتدأ لها ولا منتهي . فالهدف من هذا البحث ليس فقط الکشف عن جماليات التوريق الإسلامي بل هو التوصل إلي حلولٍ تشکيلية مستحدثة في بناء اللوحة الزخرفية في مجال تدريس التصميمات الزخرفية بکليات الفنون والتربية الفنية يجمع بين الأصالة والمعاصرة ، ولتحقيق ذلک فإننا في الجزء الثاني من هذا البحث سوف نتعرض بالدراسة التحليلية لظاهرة لتوالد والنمو للتوريق والذي من خلاله تحدد مفهومه ومراحل تطوره و طبيعة ونوع الأشکال والهيئات المختلفة للمفردات التوريقية والنظم الهندسي والإيقاعي التي أعتمد عليها المصمم الإسلامي في تکوينات الزخرفية التوريقية ، وبناء علي ما يتم التوصل إليه من نتائج سوف تقوم الباحثة بوضع تصور نظري مدعم بالعديد من الأعمال الفنية للفرقة الثانية لطلاب کلية التربية الفنية يوضح من خلالها کيفية استثمار التوريق تعليميا في مجال التصميمات الزخرفية من خلال أسس وعناصر التصميم برؤية جديدة يمکن أن تثري العملية التعليمية وتفتح مجالاً للتفکير والابتکار المتشعب المبني علي هذه الدراسة. ثانياً: مشکلة البحث : إن ظاهرة التوالد والنمو للتوريق في الفن الإسلامي تُشکل جنباً من الثقافة الإنسانية وعنصراً أساسياً في هيکله البنائي الثقافي ، ومن هذا يسعي البحث إلي کيفية الحفاظ علي عنصر الاستمرار الإنساني للفن الإسلامي وتوظيف وحداته باستخدام التقنيات الحديثة وتوظيفها للتراث الثقافي والحضاري بين الأصالة والمعاصرة في مجالات التصميمات الزخرفية. وتتضح مشکلة البحث من خلال محاولة الإجابة علي مجموعة من التساؤلات الآتية:-
هل يمکن الاستفادة من ظاهرة التوالد والنمو للتوريق في الفن الإسلامي لتکون مدخلاً جديداً لتحديث الممارسات الفکري والتقنية في مجال التصميمات الزخرفية مع ما ينص عليه منهج التصميم بالفرقة الثانية بکلية التربية الفنية. هل يمکن الکشف عن بعض الحلول الجمالية للتوريق التي يقوم عليها الفن الإسلامي خلال تتبع نظم هندسية وإيقاعية قائمة في بنائها علي هذه النظم برؤية تشکيلية جديدة ومعاصرة؟
ثالثاً: أهداف البحث: يهدف البحث إلي إلقاء الضوء على أهمية التوريق في الفن الإسلامي کفن قومي من التراث الثقافي والحضاري ينبغي الحفاظ عليه وعلي أهميته لعنصر الاستمرار.
استخلاص النظم الهندسية والإيقاعية توريق في الفن الإسلامي ؛ بغرض کشف القيم الجمالية والتعرف علي الأساليب التقنية التي اتبعها الفنان الإسلامي المختلفة وتطبيقاتها من خلال تصميمات مبتکرة للفرقة الثانية لطلاب کلية التربية الفنية ، يوضح من خلالها کيفية استثمار ظاهرة التوالد والنمو للتوريق تعليميا في مجال التصميمات الزخرفية من خلال أسس وعناصر التصميم.
رابعاً: فروض البحث:يفترض البحث أنه: هل يمکن إنتاج تصميمات زخرفية لمختارات العناصر النباتية للتوريق القائمة علي النظم الهندسية والإيقاعية لتحقيق ظاهرة التوالد والنمو في الفن الإسلامي؟ خامساً: منهجية البحث: يستخدم البحث منهجين من مناهج البحث في هذه الدراسة:
المنهج الوصفي التحليلي: القائم علي جمع المعلومات ذات العلاقة لعناصر النباتية للتوريق وهذا فيما يتعلق بالإطار النظري للدراسة وتوظيفها من خلال تصميمات مبتکرة للفرقة الثانية لطلاب کلية التربية الفنية . والمنهج التجريبي : عمل تصميمات مبتکرة من ظاهرة التوالد والنمو للعناصر النباتية للتوريق لتحقيق النظم الهندسية والإيقاعية مستوحاة من الفن الإسلامي ؛ وذلک بتطويعها وتطويرها من خلال أسس وعناصر التصميم (التکرار والتراکب والتباين والاتزان والوحدة والإيقاع واللون ).
محمد, هند. (2016). النظم الهندسية والإيقاعية لظاهرة التوالد والنمو للتوريق في الزخارف الإسلامية والإفادة منها في تدريس اللوحة الزخرفية في التربية الفنية. مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية, 1(2), 266-282. doi: 10.12816/0036547
MLA
هند سعد محمد. "النظم الهندسية والإيقاعية لظاهرة التوالد والنمو للتوريق في الزخارف الإسلامية والإفادة منها في تدريس اللوحة الزخرفية في التربية الفنية". مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية, 1, 2, 2016, 266-282. doi: 10.12816/0036547
HARVARD
محمد, هند. (2016). 'النظم الهندسية والإيقاعية لظاهرة التوالد والنمو للتوريق في الزخارف الإسلامية والإفادة منها في تدريس اللوحة الزخرفية في التربية الفنية', مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية, 1(2), pp. 266-282. doi: 10.12816/0036547
VANCOUVER
محمد, هند. النظم الهندسية والإيقاعية لظاهرة التوالد والنمو للتوريق في الزخارف الإسلامية والإفادة منها في تدريس اللوحة الزخرفية في التربية الفنية. مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية, 2016; 1(2): 266-282. doi: 10.12816/0036547