فلسفة الوسطية في العمارة کمنهج إسلامي معاصر حالة دراسية: المساجد في قطاع غزة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الهندسة المدنية، کلية الهندسة، جامعة فلسطين، قطاع غزة، فلسطين

المستخلص

منذ بزوغ فجر العصر الإسلامي، بدأ المسجد يلعب دوره الحيوي والفعال فـي حيـاة المـسلمين، حيث أصبح يمثل مکاناً مرکزيًّا ومؤثراً لجميع المسلمين في حياتهم اليومية فهو يرتبط معهم في حرکـاتهم وسکناتهم، تقام فيه الصلاة والحکم في القضايا وتلقي العلم والتکافل والتواصل الاجتماعي وتمکين العلاقات الأخوية وإعلان النکـاح وغيره. في الحديث الشريف "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال: ورجل قلبـه معلـق بالمساجد" (رواه البخاري، 119/2). هي بيوت الله التي أذن فيها أن ترفع ويذکر فيهـا اسـمه ونتيجة لذلک يقتضي أن يتميز عن بقية البقاع، فعن أبي هريرة أن رسول الله  (ص)قال: "أحب البلاد إلى الله مساجدها " (رواه مسلم، 671). کما حظي المسجد باهتمام کبير من حيث التشييد والبناء بدءا من النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من حکام المسلمين حتى يومنا هذا. الجانب الروحي والحسي للدين الإسلامي قد أثر في عمارة المساجد بتکوينه البـسيط وتکامل فراغاته وقوة ارتباط أفراد المجتمع به. فقد أصبح الشاهد الأمثل للحضارة المعمارية للمکان وللزمان الذي تم الإنشاء فيه، کما يعکس المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لتلک الفترة الزمنية، حيث کان الهدف من بنائه قوة تأثيره فـي نفوس المسلمين بالإيمان، وتهيئة الجو الروحي الملائم لأداء الفروض والأعمال الصالحة.
مع مرور الزمن وفي وقتنا الحاضر تراجع هذا الدور تدريجيا، وظهرت بعض المشکلات التي أسهمت في تراجع دور المسجد، کل ذلک کان لأسباب مختلفة من ضمنها ضعف دوره في التخطيط الحضري للتجمعات العمرانية، وسوء التصميم الذي لا يراعي المتطلبات الوظيفية المتعلقة برسالة المسجد بالإضافة إلى عدم المحافظة على توزيع مواقع المساجد ضمن النـسيج العـام للمدينـة والمجاورة السکنية وتصميم مساجد عشوائية على قطع أرضٍ ليست مخصصة لذلک الاستخدام ممـا أدى إلى ضيق المساحة وسوء في الإضاءة والتهوية والخدمات العامة. کما أدى تأثر جزء من تخطيط وتصميم المساجد بالثقافـة الغربيـة والتي لا تراعي عنصر المسجد کمکان مرکزي ينبغي الاهتمام به، مما جعل بعـض المـساجد تظهر بتصميمها متأثرة بأشکال غريبة مستوحاة من ثقافات طارئة وغريبة على بلادنا. کل هذه الأسباب أثرت بشکل سلبي على إيصال رسالة الإسلام إلى المجتمع وتأثيره فيهم.
تنبع أهمية البحث من خلال تناوله لموضوع ديني مهم يمس واقع المـسلمين اليـومي، ويمثل عنصرا مقدسا ونقطة إشعاع حضاري للعالم الإسلامي لدى المسلمين. حيث تتناول الدراسة واقع المساجد حاليا بسبب وجود ضعف في تطبيق مضمون مفهوم الوسطية في المنهج الإسلامي على مباني العمارة المعاصرة وخاصة المساجد حيث إن معظم المساجد في الوقت الحالي تبتعد عن روح الوسطية الممثلة بالاعتدال وتميل الى المبالغة والغلاء في الزخارف والتشکيل الخارجي للمسجد ، لذلک دعت الحاجة إلى التطبيق العملي للوسطية والترکيز على المساجد لاسيما بوقتنا الراهن. تکمن أهمية الورقة البحثية في محاولة جادة لتطبيق فلسفة إسلامية واضحة لعمارة معاصرة وخاصة للمساجد والمتمثلة بالوسطية لتکون رکيزة قوية للعمارة في کل مکان وزمان.
تخلص الدراسة إلى الوسطية والتي لا تعني الجمود والانحياز، وإنما هي مصدر وحالة من التطور والإبداع، تحقق بعدا روحيا وعقليا من الاتزان والتوافق والانسجام مع متطلبات الإنسان المعاصرة والمستقبلية، بما يحقق مفهوم الاستمرارية. کما أن التشکيل المعماري للمسجد نابع من منطلق البساطة والهدوء داخليا وذلک لتعميق الشعور بالخشوع في الصلاة تحقيقا للمعنى الإيماني، بحيث لا تشکل الألوان والزخارف تشتيتا للمصلي، فالمنهج الإسلامي ومن خلال الأحاديث النبوية الشريفة أفرز محددات معمارية في التشکيل، وبالتالي يبقى الاجتهاد والابتکار ضمن هذا المحيط الشرعي المحدد.
تتناول الدراسة أربعة مباحث رئيسة حيث تمثل المبحث الأول في مفهوم الوسطية وتطبيق مضمونها بالعمارة الإسلامية، أما المبحث الثاني فيتناول المساجد وتطورها عبر الزمن وصولا إلى وضع المساجد في الوقت الحالي، ويتناول المبحث الثالث الزخرفة وخصائصها کفن مستخدم لعمارة المساجد وماهي ضوابط زخرفة المساجد. اما المبحث الرابع فيتمثل في دراسة مقارنة بين المساجد انتهاء بالنتائج.

الكلمات الرئيسية