الحمد لله رب العالمين اللهم صل وسلم وبارک علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: من الجدير بالذکر، والعلم الذي لا شک فيه، المتواتر اليقيني بين الناس : أن الحضارة الإسلامية هي أجل وأعظم الحضارات الإنسانية على الأرض، لا لعلومها فقط ولکن لأنها تشمل کل الأصول والأسس، وما يتعلق بها في حياة الإنسان، في الدنيا واتصالها بالآخرة، وجزاء الجنة فيها ؛ حيث إن کل الأعمال الصالحة هي ممتدة، ليس في غاية الحياة الدنيا وما فيها، ولکن هي إلي ما شاء الله تعالى في جناته. فکل الأشياء في الحياة لها من الواجبات والحقوق، والأعمال التي تثمر النماء، والصلاح والتحضر بکل قيم نبيلة، وعلوم نافعة، ليعم الخير على الأرض؛ ذلک على حسب طبيعة کل مخلوق. ومن ثم فإن هذا ليس وضعاً إنسانياً، بل هو من تشريع الخالق عز وجل، البارئ المصور العالم بخلقه ؛ لذلک لقد بلغت القيم الإنسانية قمتها في الحضارة الإسلامية، وإن أجلها وأعظمها حقوق الإنسان في الإسلام ؛ حيث إنها أحکام شرعية، أثبتها الشرع الحکيم للإنسان ؛ تحقيقًا لمصلحته الخاصة، مع مصلحة المجتمع العامة ؛ وذلک لصلاح الأرض ، فهي حقوق متشابکة الأغصان والفروع، کل غصن، وفرع يتوقف على الآخر إلى جذر وأساس تلک الحقوق، التي منه سبحانه الخالق، وإليه سبحانه وتعالى ؛ ولذلک فإن المسلمين في حضارتهم العظيمة، کان لديهم تعبير "حقوق العباد"و "حقوق الله تعالي"، وهذا يدل دلالة واضحة على تکريم الإنسان وتفضيله على کثير من خلق الله تعالي، مصداقا لقوله تعالى : )وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً(([1]) ولذلک فهذا التعبير في واقع الأمر أصدق، وأوفي لحياة الإنسان، من المصطلح العالمي لحقوق الإنسان. فقد ختم الله تعالي الرسالات السماوية بالقرآن الکريم، وتولي الله سبحانه بحفظه من التحريف لقوله تعالي : )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( ([2]). ومن ثم هو شامل وکامل الحياة على الأرض، وللناس کافة إلي يوم القيامة ؛ ولذلک نجد أن عظمة حضارتنا تجلت في التعايش مع الآخر (کما سيتضح)، طالما أن هذا الآخر لم ينصب العداء، ولم يفعل ما يظهر ذلک العداء في فساد للأرض . فالحرية المسئولة، والعدل، والمساواة، وعدم الإکراه ... وغير ذلک من الأسس في الشرع الحکيم، بوصفها وأصولها الشرعية، هي من لدن حکيم عليم خبير بخلقه. يعملها المسلم بغاية وبنية وبواقع عملي في الصلاح والإصلاح على الأرض ،فوق أية اعتبارات مهما کانت غايته إلاَّ لله تعالى ولذلک فکل لأعمال الصالحة ممتدة إلى ما شاء الله تعالى، فکما هي منه، فإليه وفيه سبحانه وتعالى.