علاقة الفنان المصري القديم بالسلطة وأثرها على إنتاجه الفني

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

الفن المصري القديم على مدار تاريخه هو فن ديني بالأساس موجه لخدمة المعتقدات الدينية ، خاصة عقيدة البعث والخلود ، وکل ما تحتويه المقابر والمعابد المصرية القديمة من أعمال سواء نحت أو تصوير أو فنون صغرى أو عمارة کان بتوجيه ورعاية ملکية ، وفي الغالب الأعم کان هناک فنان مشرف يعتبر بمثابة السلطة ذاتها ، ويتجلى ذلک على سبيل المثال بالمجموعة المعمارية للملک زوسر بسقارة والتي أنشأها له وزيره إيمحتب ، وکذلک بمعبد حتشبسوت الذى أبدعه الوزير سنموت . وکان الفن يزدهر وينکمش تبعاً للظروف السياسية والاقتصادية ومدى استقرار وقوة السلطة المرکزية للنظام الحاکم فى مصر القديمة.
" کان الفنانون عادة من الذکور وتعلموا الفن عندما کانوا صغارا "  ( Jeremy Smith , 2007, p. 159) وقد کان احترام الفنان المنفذ وعمله وفق تلک المنظومة سبباً في نفي صفة الإبداع عنه ، حيث اعتبره بعض النقاد الغربيين أنه لا يستحق لقب ( فنان ) ، " باعتبار النحاتين والرسامين لا ينفصلون عن غيرهم من صناع الأثاث والخزافين " (Philippe de Montebello , p. 53) ، ولکنه مفهوم خاطئ  حيث حاول الفنان المصري القديم کثيراً التعبير عن إبداعاته داخل هذا الإطار، بما لا يتعارض مع الخط العام للقواعد والمعايير الموضوعة منذ البدايات الأولى للحضارة المصرية القديمة.
بل تنتفي تلک الشبهة تماماً إذا وضع فى الاعتبار نجاح الفنان في أن يجد لنفسه من وقت لآخر متنفساً بإنتاج نوع من الفن الدنيوي ذا صبغة شعبية تتفجر فيه طاقاته الإبداعية بعيداً عن الرقابة الکهنوتية ، وبعيداً عن الإشراف الرسمي للسلطة الحاکمة . من ذلک ما نراه من لخفات حجرية بمنطقة دير المدينة بالأقصر ( طيبة ) ، تهکم فيها من الملک الحاکم ، والنيل على هيبته ، بل وصل الأمر إلى التطاول على الإله المعبود نفسه وعلى الدين الرسمي .
والسُّلْطَةُ لفظاً هي التَّسَلُّطُ والسيطَرَةُ والتحکُّمُ (سيادة وحُکْم ) (معجم المعاني الجامع) وقد يختلف المفهوم الاصطلاحي للسلطة من مجتمع لآخر ، ومن تقاليد سياسية لأخرى ، ورغم الآراء والاجتهادات الکثيرة حول هذا المفهوم إلا أنها تتباين مع بعضها البعض أحياناً ، وقد تتضارب أحياناً أخرى ." فرغم الاهتمام الکبير والاستخدام الواسع لمفهوم السلطة في إطار الدراسات والأبحاث السوسيولوجية ، إلا أننا نلاحظ بوضوح التداخل في استخداماته ، وإحلاله بديلاً بعض الأحيان لمصطلحات ومفاهيم أخرى ، مثل الدولة ، والحکومة ، والقوة ، والنفوذ ، والسيطرة " (بوغراري شيخة ، 2015).
ولقد کان النظام المصرى نظاماً ملکياً يقوم على أساس ترکيز السلطات فى يد الملک ، ويستعين فى إدارة شئون البلاد بعدد من الوزراء ، والموظفين التابعين للأجهزة الإدارية فى الدولة . وقد أضفت أساطير الکهنة على تلک المنظومة مسحة دينية کبيرة ، حيث ساد الاعتقاد أن الآلهة هم أول من حکموا على الأرض وبعد تخلص المعبود ست من أخيه المعبود ازوريس، ثم بعد الصراع المطول بين ست وحورس الإبن . إستقر الأمر لحورس ، الذى صعد إلى السماء فى نهاية الامر تارکاً الملک ( الفرعون ) نائباً عنه وخليفة له ، وبالتالى کان ينظر للملک بإعتباره من نسل الآلهة ومفوض من قبل حورس ، کما يعتبر تجسيداً له على الأرض . و" بوصفه ملکاً على مصر إنما کان ابناً وخليفة للآلة ، يقدم لها القرابين . کأسلاف له ، کما کان يقدم أى فرد عادى قرابينه لأرواح أجداده ، ومن ثم فهو الکاهن الأول لکل إله فى البلاد وبالتالى فقد کان عليه أن يقوم بالطقوس الواجبة نحو الآلهة . وبديهى أن هذا کان أمراً محالاً . زمانا ومکانا ، ومن ثم فقد کان الملک ينيب عنه أولاده أو کبار موظفيه فى الأقاليم ، على أن يقوم هو بأداء واجبه الدينى نحو اله العاصمة . وهکذا کانت مکانة الکهنة إنما تقوم على أساس أنهم منيبون عن السلطة الملکية المؤلهة ، وکانوا يؤدون الطقوس الدينية اليومية فى کل البلاد باسم الملک الفرعون "( دوما  فرانسوا ،1998) ، وفکرة أن يعهد الملک لأفراد من عائلته وأسرته للقيام بدور الکاهن الأول - التى سادت فى الدولة القديمة - لم تکن إلا نوع من إسباغ السيطرة الروحية على البلاد وترکيز مقاليد الحکم والسلطة بيده ، کما يعکس ذلک حالة من التوحد بين السلطتين السياسية والدينية وتداخلاً بينهما .