التراث کمدخل لتحقيق الهوية الذاتية في الفن المعاصر

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ مساعد بقسم الرسم والتصوير کلية تربية فنية - جامعة حلوان

المستخلص

منذ فجر التاريخ والإنسان يسعى لتسجيل کل جوانب حياته وخبراته، وطقوسه الدينية ومخاوفه على جدران الکهوف، کلغة حوار بينه وبين المحيطين به، لتصبح هذه النقوش والرسوم ذات الطابع السحري دون أن يشعر الإنسان الأول أنها بمثابة تأريخ لکل مناهج حياته وتعبيرا عن طبيعة فکره وحياته عبر الزمن، لتتوارثها الأجيال المتلاحقة وتصبح تراثاً بشريا ،  تتناقل عبر الأجيال والحضارات، لتبني وتضيف عليه عقائدها وفلسفتها ومنهج حياتها، لأنه ليس هناک حضارة تنشأ من العدم ، بل هناک حضارات تنتهي  وتقوم على أنقاضها حضارات أخرى، وکذلک هناک تراکمات و تداخلات للأحداث هي التي تبني التاريخ والحضارة  في مجمله والتاريخ ذاکرة مسجل فيها کل ما ترک الأجداد من تراث للأبناء والأحفاد، على جدران المعابد والصخور والمقابر لتترک لنا آثاراً تخلد أسماء القدماء وتظهر فلسفة حياتهم وتعبر عنهم.
ولذلک يعتبر التراث هو عنوان وجود الشعوب والدليل الحي على حيوية تاريخها المتصل الذي يربطها بماضيها ويأصل هويتها، فنحن لدينا تراث يضرب بجذوره في أعماق التاريخ ففي مصر قام أول مجتمع عظيم لديه کل مقومات الحضارة. التراث ليس جامدا بل يتفاعل ويتطور ويضيف الى انجازات الحضارة فى کل العصور.
إن الفن هو نتاج إبداعي ينبع من ثقافة الإنسان، وتأثره بالبيئة المحيطة من ظروف اجتماعية وسياسية وجغرافية وتاريخية ...، وهو ضرورة حياتية للإنسان للتعبير عن أحاسيسه وانفعالاته ومعتقداته، ويتجسد هذا التعبير من خلال صور أو منحوتات أو عمارة أو فنون تطبيقية مختلفة ...، وهذا ما قد عبر عنه الفنان فى أعماله الفنية التي جسدت تراثاً استمر وخلد عبر العصور المختلفة، وهي خير مثال لنا عما توصل إليه الفنان عبر هذه العصور من ارتقاء إبداعي.
ويرى امين القريطى "إن الفنان المبدع لا يلجأ إلى قواعد التراث وتقاليده وتقنياته کغاية في حد ذاتها وإنما يلتقط من هذه التقاليد بقدر ما يستوعبه ليعيد تنظيمه وترتيبه ودمجه على نحو مغاير تمامً فريد في ضوء الأسلوب أو الطراز الفني المميز للفنان ليخرج في النهاية المنتج الفني الأصيل بعيداً عن التقليد ([1]) .



([1])   أمين القريطي: مفهوم الأصالة بين التجريد والتقليد في محتوى الإبداع الفني التشکيلي، بحث منشور - مجلة دراسات وبحوث - جامعة حلوان (مج7 - ع2) مارس 1984، ص84.