مظاهر التحرر في التصوير الإسلامي من العصر الاموي وحتي نهاية العصر الصفوي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس بقسم تاريخ الفن بکلية الفنون الجميلة - جامعة حلوان

المستخلص

بالرغم من أن القرآن الکريم لم يرد فيه نص صريح يمنع ممارسة تصوير الکائنات الحية ، إلا أن بعض الاحاديث النبوية تناولت الکلام عن التصوير وحکمه ، وموقف النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة منه ، وقد دارت حول تلک القضية الکثير من الدراسات ، وتصدى لها کثير من العلماء ، وانقسموا في آرائهم ، فمنهم من يجزم بتحريمه بشکل قطعي ، ومنهم من يذهب إلى کراهته ، ومنهم من قال بإباحة بعضه وتحريم بعضه . وقد استقر رأى الکثير من الفقهاء على تأکيد ذلک بسبب الخوف من رجوع الناس إلى التعلق بالأوثان التي کانت سائدة في المجتمع فيما قبل ظهور الاسلام .
ويؤکد ذلک قول ( هيجل ) إن النبى صلى الله عليه وسلم – کما جاء فى السنة – قال لزوجتيه أم حبيبة وأم سلمة اللتين سألتاه عن الرسوم في الکنائس الآثيوبية ، فأجاب بأن هذه الصور سوف تشکو صانعيها فى يوم الحساب (Hegel، 1970)
وقد کانت لهذه الأسباب عظيم الأثر في تحديد المعايير التي قام عليها التصوير الإسلامي، والتي من أهمها کراهية تصوير الکائنات الحية ، فابتعد الفنانون آنذاک عن المحاکاة الحرفية لکل ما له روح من انسان وحيوان . ولم يکن هذا الموقف قاصر على فقهاء المذهب السنى فقط بل شمل ذلک رأى المراجع القديمة للمذهب الشيعي أيضاً .
وبما أن القصد من التحريم کان إبعاد المسلمين عن عبادة الأصنام التي کانوا حديثي عهد بترکها ، فقد سمح ذلک بإباحة الصور التي کان الغرض منها الزينة المباحة ، طالما ظلت بعيدة عن المحاذير الدينية أو الأخلاقية . " فقد کان التصوير الإسلامي – کما يرى ( توماس أرنولد) – وغيره من کبار المؤرخين ، يقف عند تصوير القصص الديني المتصل بشخصيات مقدسة کمحمد وعيسى وإبراهيم . ولکن هذا کان بمثابة أحد الجوانب فحسب ، ذلک أن التصوير الديني في الإسلام کان إلى جانب ذلک يهتم بالمواعظ والعبر کما جاء في کتب الصوفية ، وکذلک التخويف من النار وإلقاء الخشية ، والترغيب في الجنة وحفز النفوس على الطاعة " (عکاشة، التصوير الاسلامى بين الحظر والاباحة – ، 1984 )، وتظهر في هذه الصور فکرة التعبير الاصطلاحي السردي حيث لم يهتم الفنان بالتدقيق في ملامح الوجوه .
وبالرغم من وجود تلک الآراء المتشددة فقد أطلق المصورون لأنفسهم العنان في التعبير عن إبداعاتهم متحررين من الآراء والفتاوى ومن ثوابت المجتمع ، فتجاوزوا کل ذلک إلى تصوير مجالس الشراب وتصوير العراه  والأنبياء والملائکة ، بل وصل الأمر لتصوير النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) ، کما في لوحة البراق بمخطوطة ( خمس نظامي ) التي ترجع للقرن العاشر الهجري - على سبيل المثال لا الحصر- ، وهو الأمر الذى ترفضه العقيدة الإسلامية وکذلک تقاليد المجتمع ، إلا أن الفنان کما يعتقد " يقوم بعملية ابداعية تتناقض کثيراً مع الطاعة والامتثال للأوامر والتقاليد المرعية ، وکونه مبدعاً يعنى أنه يقف في مواجهة التقاليد ، وضد السائد والمألوف . إنه يبذل کل جهده من أجل الوصول إلى أقصى درجات الابتکار ، ولذا فإنه يصطدم بالثبات والاستقرار والطمأنينة " (الصباغ، 2003) وتؤکد تلک الفکرة الدراسة التى قام بها کل من عالمى الإجتماع کاتل  CatteiوبوتشرButcher (1967) على مجموعة من الفنانين والمبدعين لمعرفة الخصائص المميزة لهم ، فوجدوا أن بهم إنحرافات شديدة عن معايير المجتمع ومعايير عامة الناس (صالح، 2007).
والمثير في الأمر أنه بينما کان هذا النوع من التصوير يستفز قيم شريحة غير قليلة من المجتمع ، کان يلقى رواجاً وترحيباً کبيراً من طبقة الأمراء وکبار رجال الدولة ، حيث ازدهر ذلک النوع من التصوير في القصور الأموية والعباسية ، کانعکاس لحالة
الرخاء ، والانفتاح على ثقافة الشعوب الأخرى ، وأيضاً في مصر فى عصر الدولة الفاطمية ، کما ظهر فى منمنمات مخطوطات المدرسة العربية والمخطوطات الإيرانية .
وتهتم هذه الدراسة بتناول أهم اعمال التصوير الجداري وتصوير المنمنمات التي تعکس مظاهر التحرر في التصوير الإسلامي في المنطقة العربية وإيران في إطار تاريخي خلال الفترة من العصر الاموي وحتي نهاية العصر الصفوي وکان إيذاناً باضمحلال التصوير الإيراني .