العمارة الحديثة فى مصر وعلاقتها بالتغيرات الثقافية و الفنية للمجتمع

تُعد نهاية القرن التاسع عشر بداية حقيقية لمرحلة النهضة العمرانية في مصر، وهي نهضة ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالتحولات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها البلاد، وعلى رأسها افتتاح قناة السويس عام 1869. فقد أدى هذا الحدث الكبير إلى زيادة الاهتمام العالمي بمصر، مما استدعى إعداد مدن القناة، وكذلك تطوير القاهرة والإسكندرية، لتُقدَّم بصورة حضارية حديثة تعكس طموحات الدولة ومكانتها الناشئة على الساحة الدولية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، استعان الخديوي إسماعيل بعدد من المهندسين والمعماريين الأوروبيين، خاصة من فرنسا، لإعادة تخطيط المدن وفق معايير الحداثة الأوروبية المبهرة.



وقد تنوعت الطرز والأساليب المعمارية في المباني التي أُنشئت خلال هذه المرحلة، حيث استُقدِمت نماذج معمارية أجنبية عكست الذوق الغربي، وذلك رغم امتلاك مصر لتراث معماري غني وعريق يمتد عبر قرون. ويُعزى هذا التوجه إلى هيمنة الشركات الأجنبية المستثمرة، وثقة النخبة وكبار الملاك والأثرياء في الكفاءات الأجنبية، إلى جانب عودة البعثات التعليمية المصرية من أوروبا محمّلة بأفكار جديدة تعكس قيم الحداثة الغربية. ولكن مع مرور الزمن، وبعد رحيل الكثير من المهندسين الأوروبيين، تمكن المهندس المصري من فرض حضوره المهني والفكري، وأصبح قادرًا على المنافسة وتحديد موقعه داخل المشهد العمراني المصري الحديث.



ولا يمكن فصل العمارة عن الفن التشكيلي، حيث يُعد الأخير تمثيلاً بصريًا وفكريًا للأفكار والمعتقدات التي يعتمدها المعماري أثناء تصميم المبنى. في القرن العشرين، وُضع حجر الأساس لما يُعرف اليوم بالفن المصري الحديث، والذي تبلور داخل قوالب أوروبية. لقد بدأ الفنان المصري يرى المجتمع بعين أوروبية، مما جعل المعماري شريكًا فعّالًا في رسم صورة التقدم والتطور التي تبنيها النخبة وتروج لها، وهو ما ساهم في تشكيل مشهد بصري جديد يعكس تداخل الهوية المصرية مع التأثير الغربي الواضح والمستمر.