مناظر وزخارف علبة معدنية من العصر القاجارى تضيف سمات جديدة لفن التصوير الإسلامى دراسة أثرية فنية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

دکتور بکلية الآثار – جامعة أسوان

المستخلص

انبثق الفن الاسلامى -الذى يعد أحد أهم فروعه فن التصوير الاسلامى- بمکوناته الجمالية والفکرية والروحية؛ ليبهر أبصار المتلقين من الشرق والغرب بروعته وجماليته وأصالة شکله وخطابه، وقد جاء وليدا لثراء روحى وعلمى وفلسفى وفکرى اشتغل عليه الفنان المسلم بشکل عام والفنان القاجارى بشکل خاص الذى فهم الدين عقيدة وعبادة وقيما وسلوکا فترجم ذلک الفکر وجسده فنيا الى رؤية بصرية جمالية خالصة.
ان فلسفة الجماليات والحلول البصرية الجديدة جاءت لانصهار المفاهيم الروحية بالعلمية وبالفکرية وبالإجتماعية فى مرکب واحد، ولم يستطيع الفنان المسلم أن يبتکر الحلول الفکرية والتقنية المتفقة مع موقفه الجمالى لولا تفاعله مع الاکتشافات البصرية، حيث عبر الفنان عن جمال الکون من خلال عناصر ومفردات بصرية مختزلة استلهمها من مکونات الطبيعة مثل النباتات والحيوانات وغيرها ([1])؛ لذلک توصل الفنان إلى صياغة فنية جمالية وفلسفية فريدة لتلک العناصر الزخرفية والمناظر التصويرية؛ لينقلنا نحو المعانى الدفينة على حد تعبير المؤرخ والباحث الجمالى "هنرى فوسيون" وتلک المعانى الدفينة التى أشار اليها فوسيون التى يصبو البحث فى خصائص الفن الاسلامى إلى ايجاد مفاتيح قراءة بصرية فاعلة لرصدها والکشف عنها بعمق لا تنحصر بالجوانب الروحية المتصلة بالدين الإسلامى فحسب، بل تتصل بما هو قدسى ودينوى فى حياه المسلم على السواء وتتطلب فى الوقت ذاته أدوات ومفاتيح بصرية خاصة؛ لقراءة العناصر الزخرفية والمناظر التصويرية المنفذة على التحفة – موضوع الدراسة - أدوات تنبع من الفهم العميق للاسلام وصلته بالحياه، ثم ربط ذلک الفهم بثقافة وذائقة بصرية نافذة توصل المتلقى لتلک المعانى الدفينة([2]).
DOI:10.12816/0038025
 
ومما يجدر الاشارة إليه ان الحاجة لبلورة مفاتيح القراءة البصرية ليست ملحة فقط لدورها فى منح الفن الإسلامى ما يستحقه من فهم وتوصيل، بل لدورها فى مسائل تأصيل الهوية والذات الثقافية والروحية، التى باتت من المسائل الملحة فى عصرنا الراهن الذى سادت فيه التغريب والعولمة والدوران فى فلک الآخر، وبالتالى يکون التفکير البصرى فى العناصر الزخرفية والمناظر التصويرية مرتبط تماما بدراسة فن التصوير الإسلامى([3]). - الذى يعد أحد أهم الفروع الهامة فى الفنون الإسلامية -، مما يسهم ذلک فى بعث رؤى تفسيرية جديدة لفتح آفاق لدراسات مستقبلية متنوعة بشأن هذا المجال.
وسوف يسهم عرض ودراسة العناصر الزخرفية والمناظر التصويرية المنفذة على التحفة المعدنية التى نحن بصددها فى إبراز وتحديد المعالم والأسس التى ينبغى تحقيقها عند بناء الصورة وکيفية معالجة التغيرات الفنية وتوظيفها فى بناء تکوينات مختلفة لتحقيق الأسس العامة؛ ولتکوين الصورة وتنمية الإحساس بالقيم الفنية؛ لتکوين الثقافة الفنية لدى متلقيها، وبالتالى تصبح الصورة مدخل؛ لتذوقها والإرتقاء بالذوق العام وثراءه.
هدف البحث
الکشف عن المناظر التصويرية والعناصر الزخرفية المتعددة، والتى لها أهمية قصوى فى التعرف على مظاهر الحضارة الاسلامية القاجارية إذ تعکس جوانب مختلفة من الحياة الدينية والفنية، وتعطى لمحة قيمة عن الحياه الإجتماعية والفکرية السائدة فى ذلک العصر؛ لذلک تم الترکيز على قراءة بصرية شاملة من خلال لغة الشکل المرسوم على التحفة بغية تطوير مهارات الإتصال ومهارات التفکير الإبداعى والمنطقى فى مجال فن التصوير الاسلامى، وهذا ما يتوافق مع المحور الثالث من محاور المؤتمر الموقر الذى اشتمل على خصائص الفنون الإسلامية ومظاهر التفاعل الإبداعى مع الثقافات العالمية والتقدم التکنولوجى.
أهمية البحث
بما أن الهدف من البحث هو ايجاد أدوات تحليلية بصرية فاعلة ذات مقومات روحية وفکرية وجمالية مختزلة فى علامات ودوال ودلالات بصرية فنية قام الفنان بتوظيفها فى عناصره الفنية ومناظره التصويرية؛ لذا اهتم البحث ليجيب على التساؤلات الآتية:

کيف يمکن ان تعزز آليات الإرتباط بين العناصر الفنية والمناظر التصويرية فى نتاجات الثقافة البصرية فى مجال التصوير الإسلامى ؟
هل استطاع الفنان توظيف زخارفه ورسومه بحيث يکشف عن الغرض الجمالي والوظيفى والقيم الفکرية والاجتماعية التى کانت سائدة فى ذلک العصر؟
هل ساهم هذا البحث في إرساء أسس علمية لمعرفة بنية العناصر الزخرفية والمناظر التصويرية فى ذلک العصر؟

منهجية البحث
رکزت منهجية البحث حول المحاور التالية:
-          المقدمة
-          تمهيد ويشتمل على تعريف التحفة وأهميتها وطرق صناعتها وأساليب زخرفتها
-          الدراسة الوصفية
-          الدراسة التحليلية
-          الخاتمة والنتائج
-          توصيات



([1]) مازن حمدى عصفور: مفاتيح قراءة بصرية مقترحة لرصد المعانى الدفينة فى الفن الاسلامى "قيم الخير والمنفعة والجمال کما يعکسها السطح التجريدى الاسلامى نموذجا "، الفن فى الفکر الاسلامى، تحرير فتحى حسن ملکاوى، المعهد العالمى للفکر الاسلامى، مکتب الاردن، عمان، ط1، 2013، ص ص 459-460


([2]) الثقافة البصرية: هى القدرة على فهم واستخدام الصور بما فى ذلک القدرة على التفکير والتعلم والتعبير عن الذات باستخدام هذه الصور بمنتهى الابداع وتأتى أهمية الثقافة البصرية والتفکير البصرى بمعرفة الأسباب الجوهرية التى تنمى الإبداع، وقد بنيت الثقافة البصرية على ثلاث نظريات هى التفکير البصرى، التعلم البصرى، الاتصال البصرى وجميعها تساعد فى کشف المعنى والمضمون، فمثلا التفکير البصرى هى: تنظيم الصور المرتبطة بالأشکال والخطوط والألوان، والتعلم البصرى: هو التعلم من خلال البصريات، الاتصال البصرى هو: استخدام الرموز البصرية للتعبير عن الأفکار وتوضيح المعانى.
للمزيد انظر: فرانسيس دواير، ديفيد مايک مور: الثقافة البصرية والتعلم البصرى، ترجمة نبيل جاد عزمى، ط2، مکتبة بيروت، القاهرة، 2015         


([3]) فن التصوير: الأساس (صور) فن تمثيل الأشخاص والأشياء بالألوان، والتصوير کلمة مشتقة من الفعل صار، وصور الشيء: جعل له صورة وشکلاً ورسمه ونقشه. والتصويرة (الجمع) تصاوير: التمثال. (المنجد: في اللغة والکلام، ط4، دار المشرق، بيروت، 1986، ص 375) ، والتصوير أو النقش له معنيان، الأول (إحداث شکل ممثل بطريقة من الطرائق الخاصة بالفنون نحو الرسم والنحت. والثاني تلوين الشکل الممثل. وکلا المعنيين مستعمل في القديم وفي الحديث على السواء. وفي القديم: التصوير بمعناه الأول مشهور، متداول في کتب الحديث والفقه خاصة...ومن الشواهد على المعنى الثاني في القديم أيضا قول ابن المقفع في کتاب کليلة ودمنة (ص52) :" ولينتفع بذلک (الغرض من الکتاب وهو کثرة الإنتاج) المصور والناسخ ابدا.(فارس بشر: سر الخلافة الإسلامية، مطبعة العهد الفرنسي، القاهرة، ب.ت، ص32) ، وبعد الاطلاع على التعاريف السابقة للتصوير، فيمکننا ان نعرفه اصطلاحيا: هو فن تمثيل الأشکال بوساطة عناصر التکوين الفني من خطوط وألوان وفراغات لتکوين صورة وشکل معين لها وفق رسوم التحف التطبيقية.